فضاء حر

رحلة أربع سنوات نحو المجهول

يمنات

شوقي نعمان

في مستوى أول جامعة أذكر اني تأخرت على المحاضرة ومنعني الدكتور من الدخول جلست بالباب لم أغادر، ثم سألني عن سبب تأخيري قلت له يا دكتور تأخرت بسبب زحمة المواصلات، قلي لن أسمح لك بالدخول إلا بعذر يقبله العقل، قربت إلى جواره حتى لا يسمع زملائي وأخبرته بالحقيقة ان وايت الماء الذي اتعبر “أتعلق” معه كل صباح إلى قريب الجامعة قد تأخر ومشيت على الأقدام حتى وصلت إليك بجوعي كطالب وحيد في صنعاء وبغباري الذي اصطحبته من الريف.

سمح لي الدكتور بالدخول وقلي أنت مسموح لك الدخول بكل المحاضرات باستثناء كل الطلاب.

غبت حوالي محاضرتين لهذا الدكتور فقلق عليَّ ودق تلفونه لم أكن مصدقًا ماذا يريد مني الدكتور..؟

قلي وينك يا ابني ليش ما تحضر الجامعة..؟!
أنا مريض يا دكتور أرجوك التمس لي العذر
وين تسكن يابني باجي ازورك..؟حينها أصابتني دهشة وذهول الدكتور بكله بيزور شوقي لانه مريض..!

كنت متردد واتهرب لا أريد زيارته بل لا أريده يعرف سكني الذي لا يتسع لشخصين..!
أصر الدكتور على زيارتي أعطيته عنواني فوصل إلى تحت سلام عمارة لا يوجد فيها غير عمدان فقط اتصل مرة ثانية قلت له أنا أسمعك يا دكتور أنا تحت بيت الدرج التفت ووجد أحجار من طوب وكراتين وأكياس تغطي فتحتات البرد..

هذا عنوان سكني ثم ضحكت أنا، طرح الفواكه والهدايا ثم خرج يتصل حينها بالكذب وشعرت انه خرج يبكي لكنه ولا يريد ان أعرف ذلك، كان مُصر على ان يأخذني إلى المستشفى لكني رفضت وقلت له حالتي بخير وقد تحسنت كثير يا دكتور..

غادر وهو عابس الوجه يفكر ماذا يعمل لأجلي لكني كنت أبتسم وأعيش بكل رفاهية مع إحداث قليل من الفوضى حتى لا يعرف أحد عن حالي ولا اكترث الشفقة من أحد..

مرت نصف سنة بكل خير، وذات ليلة متأخرة طاردتني الكلاب في الحارة فاحتميت برجل غريب الأطوار وسألته عن مكان فلان وبقالة فلان حتى أصل إلى سكني كنت أشعر اني ضايع بالفعل لكنه لم يكن رجلاً كما توقعت انه كائن هلامي مفتول العضلات حاول اغتصابي لولا اني تخلصت منه بطريقة ذكية جدا لا يجيدها إلا من عاش وتربى في عدن. وصلت سكني كتبت نص صغير بعض كلماته مسروقة من رواية القاص اليمني محمد عبدالولي، عنوانه “أصوات الكادحين”..

كنت طفلاً صغيراً أركض في أزقة شوارع المدينة أبحث عن كيان إنساني أو عن وطن يحتضنني من الضياع الذي أنا فيه..؟

كنت أبكي أمام فوهات البنادق خوفًا وأسبح الله عند سماع أصوات الطائرات الحربية في سماء صنعاء كنت أستشعر الموت في كل لحظة وحين، جل خوفي هو أن تعيش أمي وجع الفقد المجهول كان مقدار الخوف كقذيفة هوان تسقط علي جمجمتي دون اكتراث لصغر سني.

آه ما أصعب الليالي التي عشتها في كنف الموت تحت سلم الدرج مترحمًا حالي ووحدتي، ذات ليلة طاردني كائن هلامي بين الحواري والازقة غير المعروفة..!!

نجوت أخيراً بفضل صاحب المقهى والمخزنين فيه إنتظرت الصباح ليشرق بأمل يسعفني ولكن دون جدوى عدت إلى تحت السلم حاملاً كل خيباتي وجوعي ومتجهًا نحو جامعتي. كنت أكفر احيانًا من الجوع وأتحدى الله أن يرزقني.

كنت أحدث الله انني وحيد في هذه المدينة ولاذنب لي بما يحدث من خراب، وطننا منهوب ومقسم بين اللصوص والسماسرة ونحن في رحلة البحث عن وطن كريم يحتضننا من هذا الضياع والتشظي.

كانت رحلتي حزينة تحمل خيبات ودموع كثيرة فاسميتها آنذاك الوقت برحلة الضياع نحو الحلم.

للقصة بقية..

من حائط الكاتب على الفيسبوك

زر الذهاب إلى الأعلى